تعريف العيـن :
وهي النظرة ينظرها الانسان لغيره ، أما حقدا وحسدا لزوال
النعمة عن المعيون وهذا هو الحسد المذموم ، وهو لا يكون الا من نفس خبيثـة .
وأما العين التي لا تصاحب الحسد فهي النفس التي سببها الاعجاب والنشوة فـي
النفس ، لأن يكون الأعجاب والدهشة غالب عليها دون قصد زوال النعمة وهذه
قد تحدث من أي أحد حتى من الصالحين . علما أن المصدر واحد وهو النظرة
وقد عرف ابن حجر في فتح الباري بقوله " نظر باستحسان مشـوب بحسد من
خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر" وهذا بالنسبة للطرف الأول .أما الطرف
الثاني فهو كما حدث لعامر ابن ر بيعة وهو صحابي من صحابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وقد روى أصحـاب السنن وأحمد وابن حبـان عن أبي أمامة بن
سهل بن حنـيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ، وساروا معه
نحو ماء ،حتـى اذا كان بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف ، وكان
أبيض حسن الجسم والجلد ، فنظر اليه عامر بن ربيـعه فقال:ما رأيت كاليوم ولا
جلد مخبأة ، فلبط سهل ، فأتى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : هل تتهمون
من أحد ، قالوا : عامر بن ربيعه ، فدعـا عامرا فتغيظ عليه ، فقال : علام يقتل
أحدكم أخاه ؟ هلا اذا رأيت ما يعجبك بركت ؟ ثم قال : اغتسل له ، فغسل وجهه
ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه ، وداخلة ازاره في قدح ثم أمر أن يصب
ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ، ثم يكفأ القدح ، ففعل به ذلك ،
فراح سهل مع الناس ليس به بأس . فهذا صحابي وقد أصابته عين صحابي أخر
لم يقصد أن يضره ولكن لما رأى من بياض الصحابي دهش وتعجب ولم يكن يعلم
أن هـذا قـد يسبب لأخيه الصحابي كل هذا الضرر . بدليل أن الرسول صلى الله
عليه وسلم وجهه في حينه تعليما له وتوجيها للأمة من بعده .
الأدلــــة من الكتاب و السنــة:
في البداية يجب علينا أن نعلم أن الحسد هو داء الأمم قبلنا وأنه ليس أمر مقتصر
على هذه الأمة ، بل موجود بين النصارى ومن قبلهم اليهود، بل الى ما قبل ذلـك
بكثير. فمنذ أن وجد آدم عليه السلام في الجنة، حسده الشيطان على ما أكرمه الله
بسجود الملائكة له، وغير ذلك من النعم التي من الله بها على آدم مما ذكـر لنـا
في القـرآن ومن العداوة الأزلية بين الأنسان والشيطان. وكما أخبرنا النبي صلي
الله عليه وسلم أنه وراء كل عين شيطان . وأما الاستدلال علـى الحسـد و العين
من كتاب الله قوله عز وجل( ومن شر حاسد اذا حسد ) وكذلك قوله ( أم يحسدون
الناس علـى ما أتاهم الله من فضله ) وقـوله سبحانه ( وان يكاد الذين كفـروا
ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ) و المقصود بذلك هنا اليهود، لأنهـم لـم
يتوقعوا أن تكون الرسالة في العرب. و كذلك ما قصه القرآن لنا في قصة يوسف
و أخوته لما أمرهم أبوهم بالذهاب الى مصر و البحث عن يوسف في قوله عز
و جل ( و قال يا بني لا تدخلوا من باب واحد * و ادخلوا من أبـواب متفرقـة*
وما أغني عنكم من الله من شيء ان الحكم الا لله عليه توكلت * و عليه فليتوكل
المتوكلون*). فيعقوب عليه السلام كان لديه أحد عشر ولدا و هم جميلو الصورة
و الهيئة و البنية فخشي عليهم من الحسد ان هم دخلوا من باب واحد ، لذا أمرهم
أن يدخلوا من أبواب متفرقة و ما كان يغني عنه هذا الفعل ان أراد الله بهم شيء.
و لكن هو تحرز و احتياط. و أما الأستدلال من السنة المطهرة التي هي مكمـل
للقرآن و مفسر له و أن الناطق بها لا ينطق عن الهوى صلى الله عليـه و سلم
فكثيرة جدا عن أن تحصى أو تحصر فنورد منها ما يلـي. روى مسلـم عـن
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ،
"العين حق و لو كان شيئا سابق القدر لسبقته العين، واذا أستغسلتم فاغسلـوا " .
و روى البخاري و مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال لجارية في بيتها رأى في وجهها سفعة " بها نظرة ، استرقـوا
لها " و روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : رخص رسول الله صلى الله
عليه و سلم لآل حزم في رقية الحية، و قال لأسماء بنت عميس " ما لـي أرى
أجسام بني أخي ضارعة نحيفة تصيبهم الحاجة ؟ قالت لا ، و لكن العين تسرع
اليهم ، فقال" أرقيهم " . و قد ذكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
رحمة الأبرار في فتوى صادرة من اللجنة الدائمة للدعوة و الافتـاء في جوابه
على سؤال عن تأثيـر عين الحاسد في المحسود فقال : " ما يتعلـق بتأثير عين
الحاسد في المحسود فهو ثابت فعلا وواقع في الناس ،و قد صح عن النبي صلى
الله عليه و سلم انه قال" العين حق ،و لو أن شيئا سبق القدر سبقته العين "، و قال
صلى الله عليه و سلم " لا رقية الا من عين أو حمة " و الأحاديث في ذلك كثيرة.
دواعي الاصابـة بالعيــن:
أن من دواعي الأصابة بالعين النعم التي ينعم الله بها على عباده، لقول النبي صلى
الله عليه و سلم " ان كل ذي نعمة محسود" فاذا انعم الله علـى خلقـه و ازدادت
ثرواتهم أو حسنت أشكالهم أو أعطوا بما لا يعطى غيرهم حسدوا الناس على مـا
آتاهم الله من فضله ،و كأن لسان حال أحدهم يقول أن الله ليـس بعادل ، فلمـاذا
يغدق الله على فلان من الناس و يعطيه و لا يعطيني وحاشاه سبحانـه و تعـالى.
فهو العادل العدل ، يعطي من يشاء و يمنع عمن يشاء و يغدق على من يشـاء و
يحرم من يشاء فهو خبير بصير بعباده. ومن هنا يتـم الحسـد بيـن النــاس و
التباغض و التدابر و تمني زوال النعمة عن بعضهم و كل ذلك مبعثـه الأنفـس
الخبيثة التي يأزها الشيطان أزا بتحريك الشرور في داخلها بتمني زوال النعمة عن
الغير و الظفر بها .
تأثيـر و ضـرر العيـن علـى الغيـر:
نقول بعد ذكر هذه الأدلة الثابتة الصحيحة من كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه
وسلم بأن للعين تأثير على الغير، ولو لم يكن الأمر كذلك لما أمرنا أن نستعيذ بالله
من شـر الحساد ولما أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نستعيذ من كل ذي
شر وحـاسد . فللحسد والـعين اذا تأثير لما ورد من النصوص فيها. فقد تكـون
العين سببا لـذهاب النعمة بأمر الله، وسببا للمرض ،وسببـا للـموت ، وأسبابـا
كثيرة جدا. وليس معنى ذلك أن كل أمر يحدث في حياتنا ممـا قـدر الله حدوثـه
يكـون من العين أومن الحسد كما يعتقد البعض ، فالأمـر ليس كذلك بالطبـع .
ولقد وردت نصوص تعظم من شأن العين كقوله صلى الله عليه وسلم ،كما أخرج
البزار عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلـى الله عليـه وسلـم :
" أكثر من يموت من أمتي بعـد قضاء الله وقدره بالأنفس " يعني العين . وفـي
السلسة الصحيحة للعلامة ناصر الدين الألباني المجـلد الثانـي ص580 حديـث
رقم889 ـ "ان العين لتولع الرجل باذن الله حتى يصعد حالقا ، ثم يتردى منـه "
بمعني أن الانسان قد يرتقي الى جبل عالي ثم يسقط من فوقه بسب الغير ، فكـل
هذه الأدلة تعني أن العين مؤثرة في الانسان والحيوان والجماد وغيره من كل ما
كان في مسمي النعمة والعطاء الذي يعطيه الله لعباده ،سواء لحكمة يريدها المولى
سبحانه وتعالى أو نقمة .فنسأل الله لنا و لاخواننا المسلمين العافية من كـل شـر
وأن يرد كيد الكائدين والحاسدين في نحورهم آمين .
كيـف نتـقي شـر العيـن:
العين مرض من الأمراض وداء من الأدواء ،و كما أخبر النبي صلى الله عليه و
سلم " ما أنزل الله من داء الا و أنزل له دواء علم ذلك من علم و جهله من جهله "
و بما أن العين تعتبر مرض فأن العلاج منها مطلـوب قبـل وقوعهـا وبعـده.
العـلاج مـن أثـر العيـن قبـل و قوعهـا:
يستطيع كل مسلم و مسلمة التحصن ضد العين و غيرهـا مـن الأمراض قبـل
وقوعها، و ذلك بالأذكار الشرعية من الآيات القرآنية، و الأحاديث النبوية الثابتـة
عن سيد الخلق عليه الصلاة و السلام، و من ذلك ما ذكره سماحـة الوالد الشيـخ
عبد العزيز بن باز رحمه الله بقوله ( و يجب على المسلم أن يحصن نفسـه مـن
الشياطين و من مردة الجن و من شياطين الأنس بقوة الأيمـان بالله، و الاعتمـاد
عليه، و التوكل عليه، و لجوءه و ضراعته اليه،و كثرة قراءة المعوذتين و سورة
الأخلاص و فاتحة الكتاب و آية الكرسي) . و الاكثار من التعوذات النبوية التـي
جاءت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و منها ما رواه البخاري و الترمذي
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعوذ الحسـن
و الحسين " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة ، و من كـل عيـن
لامة، و يقول " أن أباكما ابراهيم كان يعوذ بهما اسماعيل و اسحاق".
و روى الترمذي في حديث حسن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعلم
الصحابة هذه الكلمات : " أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه و شر عباده ،ومن
همزات الشياطين ، و أن يحضرون" و كان عبد الله بن عمرو بن العاص يعلمهن
من عقل من بنيه . و غيرها من الأذكار كقوله صلى الله عليـه و سلـم" أعـوذ
بكلمات الله التامات من شر ما خلق" .و قال بن القيم الجوزية و( مـن التعـوذات
النبوية رقية جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه و سلم و رواهـا مسلـم في
صحيحه " بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسـد ،
الله يشفيك ، بسم الله أرقيك ". )
أما العلاج من العين بعد وقوعها فأنه يتمثل فيما يلي :
أولا: الالتزام بالأذكار النبوية الصباحية و المسائية، و هو كل ما كان يفعله النبي
صلى الله عليه و سلم من قيامه الى منامه، و كل ذلك متوفر بين يدي المسلمين في
كتيب صغير يوضع في المحفظة أو الجيب، و عنوانه ( حصن المسلـم ) للشيـخ
سعيد بن وهف القحطاني جزاه الله خيرا، و الذي جمع فيه كـل ما يحتاجه المسلم
من أذكار سيد الأنام صلى الله عليه و سلم. و لا غنى للمسلم من أسلم قلبـه لله و
أطاع رسول الله الا أن يقتني هذا الكتيب الذي جمعت فيه هذه الأذكـار الصحيحة
الثابتة التي لا يوجد بينها حديث واحد ضعيف.
و ثانيا: في حالة معرفة العائن الذي حدثت منه العين و اصابتهـا بالمعيـون،
فعلاجه فيما ثبت به الحديث الذي رواه أصحاب السنن و أحمد و ابن حبان عن
أبي أمامة بن سهل بن حنيف، و الذي سبق الأشارة اليه أعلاه ،وهو حديث الغسل.
ثالثا : اذا لم يعلم العائن فانه يجب على المعيون أن يلتزم الأذكار التي سبق ذكرها
مع قراءة الفاتحة والمعوذتين ، والاخلاص،وآية الكرسي ، والآيتيـن الأخيرتيـن
من سورة البقرة .
الخاتمـــــة:
وبعد أن تعرضنا للعين وتعريفها و ايراد الادلة عليها من الكتاب ومن السنة نختم
بهذه الفائدة التي وصف بها العلامة ابن القيم رحمه الله بقوله:
(و لا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى و طبائع مختلفـة ، و
جعل في كثير منها خواص و كيفيات مؤثرة ، و لا يمكن لعاقـل انكـار تأثيـر
الأرواح في الأجسام فانه أمر مشاهد محسوس ، و أنت ترى الوجـه كيف يحمر
حمرة شديدة اذا نظر اليه من يحتشمه و يستحي منه ، ويصفر صفرة شديدة عند
نظر من يخافه اليه ،و قد شاهد الناس من يسقم من النظر و تضعف قواه ، وهذا
كله بواسطة تأثير الأرواح ، و لشدة أرتباطهـا بالعين ينسب الفعل اليها ،و ليست
هي الفاعلة ، و انما التأثير للروح ، و الأرواح مختلفـة فـي طبائعهـا وقواهـا
وكيفياتها و خواصها ،فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينـا ، ولهذا أمـر الله
سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم أن يستعيذ به من شره ، و تأثير الحاسد في
أذى المحسود أمر لا ينكره الا من هو خارج عن حقيقة الأنسانية ،و هـو أصل
الأصابة بالعين ، فان النفس الخبيثة الحاسدة تتكيـف بكيفيـة خبيثـة ، و تقابـل
المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، و أشبه الأشياء بهذا الأفعى ، فان السم كامن
فيه بالقوة فاذا قابلت عدوها ، انبعثت منها قوة غضبية ، و تكيفت بكيفية خبيثـة
مؤذية ، فمنها ما تشتد كيفيتها و تقوى حين تؤثر في اسقاط الجنين و منها ما تؤثر
في طمس البصر ، كما قال صلى الله عليه و سلم في الأبتر و ذي الطفيتيـن من
الحيات : " انهما يلتمسان البصر ، و يسقطان الحبل " رواه البخاري . أ.هـ