للعلاج تأثير؟ هل يفيد العلاج حقاً في مداواة المرضى؟! قبل الإجابة على هذا السؤال تجب الإشارة إلى أن الأثر المترتب على أي طريقة علاجية، بما في ذلك العلاج الروحاني، ينتج من تفاعل عوامل عدة في الوقت نفسه، فاقتناع المريض بجدوى النوع من العلاج الذي يعطى له، له بالغ الأثر في تحقيق فائدة من العلاج، كذلك فإن رغبة المريض في التحسُّن وحرصه على الشفاء يلعب دوراً لا يقل أهمية عن دور الاقتناع، وبالمثل فإن اقتناع الشخص المعالج بنوع العلاج وطريقته له أثره كذلك، فحماس المعالج لنوع معين من العلاج ينتقل إلى المريض فيحقق النتيجة المرجوة· كثير من المرضى يشعر بالتحسن بعد جلسات العلاج الروحاني، ونسبة كبيرة من المرضى يشفون بالفعل من عللهم، وقد يكون من الصعب القطع بأن طاقة علاجية انتقلت من أصابع الشخص المعالج إلى جسم المريض فحققت الشفاء، لكن من الصعب كذلك نفي وجود أثر للعلاج الروحاني، وأياً كان التفسير لذلك الأثر، مثل القول: إنه ناتج من الإيحاء أو إنه نوع من ترضية المريض، فالمؤكد أن هناك أثراً، وأن كثيراً من المرضى يتحقق شفاؤهم بالعلاج الروحاني· فمحاولات التفسير العلمي لنتاج العلاج الروحاني لا تزال متعثرة، بعض المصادر ترجح وجود لغة غير محسوسة أو مفهومة بين أجسام البشر، يسميها التفسير العلمي >التواصل الجسدي< أو >التلامس الفيزيائي<، فبعض الأجسام لها خاصية معينة، يمكن استشعارها عند ملامستها، فقد تصافح إنساناً فتشعر بالراحة، وبأن دفئاً وسكينة انتشرت من يده إلى يدك، وقد تصافح إنساناً آخر فتشعر بالتوتر والعصبية، وهذه الظاهرة، ظاهرة التواصل الجسدي، تنتج من الأحداث اليومية المألوفة التي قلَّما نلقي لها بالاً· القائلون بظاهرة >التواصل الجسدي< يرجحون أن المعالجين الروحانيين أناس لديهم ملكة خاصة وقدرة فطرية على إدخال السكينة والراحة في نفوس الآخرين، وهذا تقريباً هو ما يقوله المعالجون الروحانيون نفسه عن أنفسهم، ولكن بألفاظ أخرى· مصادر أخرى تقول: إن العلاج الروحاني يشحن جهاز المناعة في الجسم فيتحقق الشفاء، بينما تذهب مصادر ثالثة إلى القول: إن اضطراب العمليات الكيمياوية الحيوية في الجسم قد يكون ممكن التصحيح عن طريق الإيحاء المتضمن في العلاج الروحاني· مكانته من الطب كلمة >روحاني< من النسبة إلى >روح<، (النسبة إلى كل ما فيه روح روحاني ـ هكذا في مختار الصحاح)· والروح كلمة مألوفة شائعة الاستعمال· ولكن معناها ومدلولها يختلف اختلافاً كبيراً تبعاً لمعتقدات الإنسان ومناحي تفكيره، فالروح عند المؤمن بالرسالات السماوية بدهية لا تحتمل الشك، بينما هي عند الماديين ظاهرة تحتمل الجدل، وعند الملاحدة لا تعدو أن تكون خرافة ميتافيزيقية!· وعلى ذلك فقد يكون للعلاج الروحاني مكاناً مقبولاً في المجتمعات المؤمنة برسائل السماء، إلا أن ذلك المكان يضمحل إذا انتقلنا إلى المجتمعات المادية، ثم يكاد ينعدم تماماً في المجتمعات الملحدة· من جهة ثانية، فإن المعرفة الطبية المتداولة في أكثر العالم اليوم قائمة على حقائق مادية >أي ملموسة أو يمكن إقامة دليل عليها< في الأغلب الأعم، لم يعد هناك مكان في تلك المعرفة للغيبيات أو الظواهر الخارقة، وينعكس ذلك في التعليم الطبي، فيتعلم الطالب أن يتعرف إلى ويتعامل مع أعراض وعلامات جسمانية >فيزيائية< دون إدراك لأبعاد الإنسان الأخرى· لهذه الأسباب يشغل >العلاج الروحاني< Spiritual healing ركناً صغيراً على خريطة الممارسة الطبية اليوم، إلا أن ذلك الموقع المنزوي للعلاج الروحاني قد يتغيَّر في المستقبل القريب، فهناك إدراك هذه الأيام إلى أن عجز العلم البشري المتاح عن إقامة الدليل على ظاهرة معينة ليس مبرراً لنفيها، كما أن العجز عن تفسير ظاهرة معينة لا يسوِّغ رفضها، ثم إن هناك حالات متعددة شفيت بالعلاج الروحاني، في الوقت الذي أخفق فيه الطب التقليدي في تحقيق الشفاء، الأمر الذي يستدعي إفساح الصدر للعلاج الروحاني ومحاولة فهمه بدلاً من نبذه برمته· ومما يعين على تغيير موقع العلاج الروحاني على خريطة الطب المعاصر، أن كثيراً من المعالجين الروحانيين لا يمنعون مرضاهم من مراجعة الأطباء ولا من تعاطي العقاقير التي قد يصفها الأطباء لهم، وتبريرهم لذلك أن دورهم في العلاج متمم للطب المألوف وليس بديلاً مطلقاً له، فالطب التقليدي يضمد جراح الجسد والعلاج الروحاني يأسو جراح النفس >والروح<، والعملان معاً يكمل أحدهما الآخر ولا يتعارض معه· وعلى الرغم من وجود نفايات >اتحادات< للمعالجين الروحانيين في كثير من البلدان، وعلى الرغم من أن أعداد المعالجين الروحانيين آخذة في الازدياد، إلا أن ذلك لا يعد مؤشراً على أن موقع العلاج الروحاني في عالم الطب سوف يتغيَّر في يوم وليلة، أو أن بعض الأطباء سوف يتخصصون في العلاج الروحاني اعتباراً من اليوم، وإنما يؤخذ ذلك دليلاً على أن شعبية هذا النوع من العلاج قد بدأت ترسِّخ جذورها، وأن الآذان والأفهام بدأت تتفتح لطريقة في التداوي عاشت مع الإنسان