السلام عليكم ورحمة الله:
هذا المقال من أنفع المقالات في "السيمياء" سواء كانت بمفهومها الحديث أو القديم، فهو يتناول المصطلح لغة، تاريخيا، استعمالا....
وإليكم المقال:
علم السيمياء في التراث العربي
مقدمة:
لم يكن علم السيمياء وليد العصر الحديث كما يزعم بعضهم، بل هو قديم النشأة؛ فقد اهتم القدامى من عرب وعجم بهذا الجانب من علوم اللسانيات منذ أكثر من ألفي سنة. لقد أفرد الفيلسوف أفلاطون هذا الموضوع في كتابه «Cartyle»، وأكد أن للأشياء جوهراً ثابتاً، وأن الكلمة أداة للتوصيل، وبذلك يكون بين الكلمة ومعناها، أي بين الدال (Signifiant) والمدلول (Signifié) تلاؤم طبيعي (Justesse naturelle)، فلهذا كان اللفظ يعبر عن حقيقة الشيء. وقد أشار أفلاطون إلى ما تمتاز به الأصوات اللغوية من خواص تعبيرية، أي العلاقة الطبيعية بين الدال والمدلول. ولذلك كانت الأصوات أدوات تعبير عن ظواهر عديدة(1)، تلتقي فيها لغات البشر باعتبارها ظاهرة إنسانية.
وقد ربط علماء العرب قديماً بين هذه المعطيات وبين ما أسموه بعلم أسرار الحروف، أي: علم السيمياء. وقد تعددت في ذلك دراسات الحاتمي، والبوني، وابن خلدون، وابن سينا، والفارابي، والغزالي، والجرجاني، والقرطاجني، وغيرهم.
ولهذا يمكن القول: إن دراسات النظام الإشاري في التراث العربي هي دراسة قديمة قدم الدرس اللساني، إلا أن الأفكار والتأملات السيميائية التي وصلت ظلت في إطار التجربة الذاتية، ولم تتجسد في إطار التجربة العلمية الموضوعية. ومن ثم فالمنطلقات السيميائية للدراسة العربية تنقصها الإجراءات التطبيقية الموسعة.
أما الدراسات السيميائية الحديثة فقد تشعبت في مجالات عديدة وحضارات مختلفة، بحيث لم تبق حكراً على أمة دون أمة، وثقافة دون أخرى. وأخذ العلماء يفحصون نصوص الحضارات القديمة بحثاً عن تأملات وخواطر سيميائية لعلهم يعثرون على بدايات معمقة وجادة لهذا العلم. فالرغبة الكامنة في السيمياء والتي ما تزال توجه مسيرة البحث فيها هي الرغبة في الإحاطة الشاملة، ولو أن الإحاطة تبدو صعبة التحقيق، إلا أنه لا بد من إجهاد العقول لتحقيق ذلك الطموح